المراحل الأولى من حياة الملك عبدالعزيز
1. نسبه
هو عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن مانع بن ربيعة المريدي من المردة وهم من المصاليخ من المنابهة من بني وهب من ضنا مسلم من قبيلة عنزة، من بكر بن وائل بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.
والملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، هو الحاكم الثالث عشر من آل سعود.
أ.
أبوه هو: الإمـام عبدالرحمن، أصغر أبناء الإمام فيصل بن تركي بن عبدالله آل سعود (توفي عام 1282هـ/ 1866م). وقد ولد عبدالرحمن بن فيصل في الرياض عام 1268هـ/ 1852م، وتوفي بها في 22 ذي الحجة 1346هـ/ 11 يونيه 1928م، وعمره 76 عاماً.
ب.
أمه هي: سارة بنت أحمد بن محمد السديري من أهل بلدة الغاط في سدير، بجوار الزلفي. كانت سارة السديري صاحبة عقل وتدبير. ويروى لها شعر شعبي من" الملحون أو النبطي". توفيت في أواخر عام 1327هـ/ 1910م في الرياض. وكان أبوها ممن حارب إبراهيم باشا، وقد ولاه القائد المصري خورشيد باشا، في فترة حكم خالد بن سعود بن عبدالعزيز سنة 1254هـ/ 1838م، إمارة الأحساء، فاستمر فيها إلى أن توفي سنة 1277هـ/ 1860م. ويقال له أحمد الكبير، واشتهر بخدمته وتفانيه في الإخلاص لآل سعود. وكان لأحمد السديري ثلاث بنات: نورة تزوجها جلوي بن تركي بن عبدالله، والد عبدالله بن جلوي، وفلوة تزوجها الأمير محمد بن فيصل بن تركي، عم الملك عبدالعزيز، وسارة تزوجها عبدالرحمن بن فيصل وأنجبت له فيصلاً وعبدالعزيز ومنيرة وهيا وسعداً. وكان خاله أحمد السديري من قادة السرايا الذين ساهموا في توحيد نجد.
ج.
أعمامه: وكانوا ثلاثة هم الإمام عبدالله بن فيصل (توفي عام 1306هـ/ 1889م) وسعود بن فيصل (توفي عام 1291هـ/ 1874م)، ومحمد بن فيصل (توفي عام 1311هـ/ 1893م).
2. تاريخ مولده
أورد المؤرخون عدداً من الروايات حول تاريخ مولد الملك عبدالعزيز، منها أنه ولد في ذي الحجة عام 1297هـ / ديسمبر 1880م، ومنهم المؤرخ الأديب خالد بن محمد الفرج الذي وضع حساباً لهذا التاريخ، بالحروف الأبجدية، على طريقة حساب الجمّل، وهو:
"الإمام عبدالعزيز بن الإمام عبدالرحمن الفيصل آل سعود".
وجاء مجموع القيمة العددية لهذه الحروف 1297. وقويت هذه الرواية بما نُقل على لسان الملك عبدالعزيز، من أنه كان غلاماً، حينما خرجت أسرته من الرياض سنة 1308هـ/1891م، ملفوفاً في كساء أشبه بالخُرج.
غير أن المتصلين بالملك عبدالعزيز منذ زمن طويل، يذكرون أنه، بما جُبل عليه من حيوية، كان يكره أن يُشعر نفسه بالاقتراب من سن الشيخوخة أو دخولها، فما زال يكرر أنه، يوم هجرته مع أبيه من الرياض، كان ابن إحدى عشرة سنة، حتى صدق هو نفسه.
ونُقل على لسان الأستاذ الشيخ محمد نصيف قوله: أخبرني الملك بأن ميلاده كان سنة 1285هـ/ 1868م. والحوادث لا تؤيد هذا.
وثمة رواية أن مولده كان في ليلة العاشر من ذي الحجة 1299هـ/ 21 أكتوبر 1882م.
ويقول الزركلي:
"على أني بعد وفاة الملك عبدالعزيز، رجعت إلى أديب آل سعود وعالمهم الأمير عبدالله بن عبدالرحمن، أخي الملك، فسألته، فأجاب: "كان رحمه الله يود أن يقال إن مولده سنة 1297هـ، ولكن الصحيح، أنه ولد في أواخر عام 1293هـ/1876م".
ويضيف الزركلي: "ورأيت في قيود عندي أنه لما ولد كان أبوه عبدالرحمن في بلدة ضرما، وبُشر بولادته ليلة 19 ذي الحجة عام 1293هـ، فأضفت هذا إلى ذاك، ورجحت أنه الصواب".
3. نشأته
ولد الأمير عبدالعزيز بن عبدالرحمن، في قصر الإمارة والإمامة بالرياض، وكان في سن الصبا طويل القامة، عريض المنكبين، بارز الصدر، حادّ العينين، دقيق الخصر، ضامر البطن، مفتول الساعدين والساقين، رشيق الحركة.
عهد به أبوه ـ الإمام عبدالرحمن بن فيصل آل سعود ـ إلى شيخ (مطوّع) من أهل الخرج، كان مقيماً في الرياض، اسمه القاضي عبدالله الخرجي. فتعلم على يديه مبادئ القراءة والكتابة، وحفظ سوراً من القرآن، وقرأه كاملاً. ثم تلقى بعض أصول الفقه والتوحيد على يد الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ، في كراسة صغيرة أعدها خصيصاً له. إلا أنه لم يكن في طبعه الصبر على الدرس، فلم يلبث أن انصرف عن مقاعد الأطفال، إلى محاكاة الرجال.
ونُقل عنه: أنه أحسن وهو في سن الصبا استعمال البندقية، وركوب الخيل، كأحد الفرسان. وأنه كان في السابعة، حادّ الطبع، دائم الحركة، لا يستطيع الاستقرار في مكان واحد، فترة طويلة.
ويشير بعض من كتب عن الملك عبدالعزيز، إلى ما كان لوالدته سارة بنت أحمد بن محمد السديري، من فضل في توجيهه.
حمل عبدالعزيز السيف، ولعب به، وركب الخيل وامتطى الإبل. والتف حوله رفاق له، فكان المتقدم عليهم في ألعابهم والزعيم فيهم. وعوّده والده أن يستيقظ قبل الفجر للصلاة، ووجهه إلى الرياضة، وأدبه بآداب آل سعود. وشهد في صباه عاقبة الخصومات والمعارك، بين عميه عبدالله بن فيصل، وسعود بن فيصل. وأدرك ما كان من توسع نفوذ آل رشيد، في الاستيلاء على بلاد نجد، وضياع ملك آل سعود، أصحاب تلك البلاد وسادتها.
وخرج الأمير الصغير من الرياض، مع عمه محمد بن فيصل، والشيخ عبدالله بن عبداللطيف، لمفاوضة الأمير محمد بن رشيد، وعقد الصلح معه، في أوائل سنة 1308هـ /1890م، وهي مشاركته السياسية الأولى في مثل هذا الاجتماع الخطير. يقول فؤاد حمزة: سألتُ الملك عبدالعزيز إن كان قد قابل ابن رشيد فقال: نعم، قابلته، وعزاني في أخي فيصل، وقال لي عسى أن يجعلك الله عوضاً عنه. والله قد جعلني عوضاً عنه".
قال حافظ وهبة:
"سمعت من بعض أصدقائي الكويتيين، الذين عاصروا عبدالعزيز ورافقوه في طفولته، أنه كان يفوقهم نشاطاً وذكاء، وأنه كان يتزعمهم دائماً في الألعاب المألوفة، لمن كان في سنه، وأنه كان دائماً يميل إلى سماع تاريخ جده الإمام فيصل ومغامراته، من بعض الشيوخ المسنين بالكويت".
وروى خالد الفرج، ما خلاصته:
أراد الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، حاكم البحرين، أن يلاطف الفتى عبدالعزيز. فسأله: قطر أحسن أم البحرين؟ فأجابه عبدالعزيز على الفور: الرياض أحسن منهما. فقال عيسى: سيكون لهذا الغلام شأن. وأضاف خالد إلى هذه القصة: سمعتها من الشيخ عيسى بنفسه، وهو يقصها في مجلس نزهته العصرية في بستان "ريا" في البحرين، وذلك بمناسبة تسليم جدة سنة 1344هـ/1926م.
ونقل الزركلي عن محمد بن بلهيد القصة الآتية، قال:
في أثناء تغرّب الإمام عبدالرحمن الفيصل عن الرياض، جلس، عشية يوم، وحوله بعض خاصته، فجرى الحديث عن أبنائه، فتكلم الحضور، وبينهم مانع بن جمعة العجمي، من رجالات العجمان، لم يتكلم، فقال له الإمام: ما ترى يا مانع؟. فقال: إذا أراد الله عزاً للمسلمين، فهو على يد عبدالعزيز. قال عبدالرحمن: وما يدريك؟ قال: رأيت فتيان الحيّ يتهيأون ليلعبوا لعبة "اللحي" وقد انقسموا فريقين، فسمعت أكثرهم ـ ومنهم بعض أبنائك ـ يقول: من أنا معه؟ وسمعت عبدالعزيز يقول: من هو معي؟.
4. رحلة الاغتراب، والاستقرار في الكويت
بعد تغلب ابن الرشيد على آل سعود، واستيلائه على الرياض عام 1309هـ/ 1891م، اتجه الإمام عبدالرحمن الفيصل بأسرته، إلى البادية، يلتمس مأوى ينأى به وبمن معه، عن يد ابن رشيد.
ولما صار في عرض الصحراء، استشعر من القبائل الضاربة في المناطق القريبة من الرياض، ذعرها من ابن رشيد وتخوفها من بطشه، إن هي آوت كبير آل سعود. فانطلق بمن معه موغلاً في منازل آل مرة والعجمان، بين يبرين والأحساء.
وعلم المتصرف العثماني، في الأحساء آنذاك، عاكف باشا، بقرب الإمام عبدالرحمن منها، فأرسل إليه مندوباً اجتمع به في عين نجم قرب المبرز (على بُعد ميلين شمالي الهفوف)، فعرض عليه ولاية الرياض، على أن يعترف بسيادة الدولة العثمانية، ويدفع خراجاً سنوياً قد لا يزيد على ألف ريال. فاعتذر الإمام عبدالرحمن بأنه يخشى أن ينقلب عليه أنصاره. ولم تكن حياة البادية وشدائدها، مما تحملته سيدات الرياض وسدير، وقد آذاهن ما لقين في الحل والتِّرحال، وما في اختراق صحراء الدهناء، من عناء. فنادى الإمام عبدالرحمن ابنه عبدالعزيز، وقال: "امض يا بني إلى ابن خليفة (الشيخ عيسى بن علي آل خليفة شيخ البحرين) وحدثه بما نحن فيه، واستأذن لنسائنا بالإقامة في جواره، ولا ضير عليه من ابن رشيد، ما دمنا نحن بعيدين عن البحرين". وكانت هذه أول مهمة يكلفه بها والده.
فانطلق الأمير عبدالعزيز إلى البحرين، وعاد بعد أيام مستبشراً، يحمل إذن ابن خليفة للنساء. ومضين في هوادجهن إلى ميناء العقير ـ جنوبي القطيف ـ حيث ركبن السّفن الشراعية إلى البحرين، ومعهن عبدالعزيز وأخ له يليه في السن، اسمه محمد.
وكان على الأمير عبدالعزيز، بعد استقرار الأسرة في البحرين، أن يعود إلى مضارب أبيه في الصحراء، فامتطى الذلول بعد ركوب البحر، وأقبل يطوي البيد.
وأرسله أبوه إلى الهفوف، مركز الأحساء، وكانت تابعة للدولة العثمانية، ليفاوض الترك علّهم يسمحون له ولرجاله بالإقامة فيها، أو في جوارها. فلم تفلح سفارة الأمير عبدالعزيز هذه المرة، وأبى الترك إيواءهم.
وضاق رحب الصحراء في وجه الإمام عبدالرحمن. وكان بين قبيلة العُـجمان، التي تسيطر على تلك المنطقة، أنصار لابن رشيد؛ فأزمع الإمام عبدالرحمن الرحلة إلى الكويت. ولكن محمد بن صباح، أميرها يومئذ، لم يجرؤ على الجمع بين مناوأة ابن رشيد ومخالفة سياسة الترك، فاعتذر عن قبول الإمام عبدالرحمن ضيفاً عليه، فعاد إلى الصحراء.
وامتدت إقامة عبدالرحمن وابنه عبدالعزيز ومن معهما، هذه المرة حوالي سبعة أشهر في قفار تقطن بعضها قبائل من آل مرة، وبعضها الآخر قبائل كثيفة من العجمان، ليست بعيدة عن الأحساء كل البعد.
وفُرِجَ الكرب على يد شيخ قطر، قاسم بن ثاني، وكان أريحياً جواداً.
كتب إليه الإمام عبدالرحمن، يصف ما هو فيه، وأجابه ابن ثاني مرحباً. وانتقل الجمع إلى قطر. وفي دليل الخليج أن عبدالرحمن أقام في ضيافة شيخ الدوحة في قطر، من أغسطس إلى نوفمبر 1892م، (أي من صفر إلى جمادى الأولى 1310هـ)، ولحقت به أسرته التي كانت في البحرين.
وكانت الدولة العثمانية تود عقد اتفاق مع الإمام عبدالرحمن بن سعود، لتأمن تحركاته، فأرسل إليه متصرف الأحساء، حافظ باشا، يستدعيه. فأجاب الدعوة وقدم من قطر إلى الأحساء. وتم الاتفاق بينهما على أن يقيم هو وأسرته في الكويت، وكانت لا تزال عثمانية، وتدفع له الدولة ستين ليرة شهرياً. وكان هذا المخصص يدفع أحياناً، وأكثر الأحيان لا يدفع. وقبل ابن صباح، إذ ذاك، أن يتوطنوا بلاده، وعين للإمام عبدالرحمن مرتباً من الأرزاق، ولكنه قطعه بعد تخصيص المرتب من الدولة العثمانية.
وأتاحت له الإقامة في الكويت، أن يكون على اتصال دائم بأهل نجد ورؤسائهم، خصوصاً أهل القصيم، لقربها من الكويت واتصالها بها اقتصادياً.
وفي دليل الخليج أن والي البصرة التركي، دعا عبدالرحمن للاستقرار في الأحساء (كذا، والصواب: في الكويت) وجعل له راتباً شهرياً قدره 33 ليرة عثمانية، ضمنها له الباب العالي، فانتقل إليها في جمادى الآخرة 1310هـ/1892م.